أبرز الأخبار

الفراغات متتالية في لبنان.. إلى متى؟!

وكأنه مكتوب على لبنان واللبنانيين أن يعيشوا في ظلّ الفراغات المتتالية. فمن الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، وهي الأساس في هرمية المسؤوليات، إلى الفراغ في منصب حاكمية مصرف لبنان، إلى الفراغ في المجلس العسكري، إلى الفراغ المنتظر في قيادة الجيش بعد إحالة العماد جوزاف عون إلى التقاعد بعد ستة أشهر، إلى الفراغ في أكثر من مديرية عامة في مؤسسات الدولة، إلى الفراغ المستشري على مستوى الذهنية السائدة في إدارة البلد، إلى الفراغ في التشريع، إلى الفراغ في اتخاذ القرارات المصيرية. 

ومع توالي كل هذه الفراغات القاتلة يمكننا القول، وبكل راحة ضمير، إن الفراغ هو الذي بات يتحكّم بيوميات اللبنانيين وبفراغاتهم، وهم يعيشون أتعس أيام حياتهم، وكأن المقصود أن يبقى هذا الوطن معلقًّا على صليب المعاناة، على رغم ما يشهده من “هجمة اغترابية” غير مسبوقة، وهي التي تبقيه مرحليًا واقفًا على رجليه، وتمنعه من السقوط الكبير في هوّة الفراغات. 

قد يكون كلام السفيرة الفرنسية آن غريو في العيد الوطني الفرنسي خير دليل على أن المسؤولين قد تخّلوا عن أدوارهم الوطنية. ولو لعبوا أدوارهم كما يجب لما قالت ما قالته. وكذلك لما كان يُسمح لأي سفير في أن يتدّخل في ما لا شأن لهم فيه. هكذا أعتاد سياسيو لبنان على التعاطي مع الخارج من خلال سفارات بلادهم، وهي عادة قد أصبحت في دمهم ومن الموروثات منذ الاحتلال العثماني، مرورًا بالانتداب الفرنسي، وصولًا إلى الوصاية السورية.

 لم يتعلّم المسؤولون عندنا أن يكونوا مسؤولين، أو أن يديروا شؤون البلد ومصلحته بغض النظر عمّا تريده هذه الدولة أو تلك، إذ أن لكل منها مصلحتها الخاصة بها. هي تأتي أولًا، ومن بعدها تأتي المصلحة اللبنانية، التي تبقى في الدرجات المتراجعة في حسابات الدول، التي لا تشبه “كاريتاس” في شيء، أي بمعنى أنها لا تقدّم مجانًا ما اُعطيت بالمجان.

 وبين كل هذه الفراغات تحاول حكومة تصريف الأعمال أن تصرّف أمور الناس الأكثر إلحاحًا وضرورة، وهي ستنكب ابتداء من يوم غد على دراسة موازنة العام 2023، قبل أن تحيلها بصيغتها النهائية إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، التي ستحيلها بدورها إلى لجنة المال والموازنة لإشباعها درسًا وتمحيصًا قبل إحالتها إلى الهيئة العامة لإقرارها وإصدارها بقانون. 

قيل كلام كثير في حقّ حكومة ملء الفراغات، وسيقال كلام آخر، لكن الكلام المفيد لم يُقل بعد. فلو قام الذين ينتقدون الحكومة على ما تقوم به من خطوات تبقى غير كافية بما يجب أن يقوموا به لناحية تحمّل كامل مسؤوليتهم وانتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد لما كانت هذه الحكومة، التي ألقيت كل المسؤوليات على عاتقها، مضطرّة للقيام بما تقوم به وما تتخذه من قرارات تحول، ولو إلى حين، دون انهيار كامل وشامل للهيكل على رؤوس الجميع.

 فانتخاب رئيس جديد للجمهورية ليس من صلاحية الحكومة، بل من مسؤولية القوى السياسية، التي يبدو أن الفراغ بكل أشكاله المتعددة يستهويها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى ملء الفراغ في حاكمية مصرف لبنان، وربما غدًا في قيادة الجيش.

المصدر: Lebanon 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى