نصائح و إرشادات

المماطلة ووسائل للتعامل معها


لماذا نؤجل مهمة ما، ونحن نعلم أننا سنفعلها لاحقًا بملل وتسرع وربما غضب على أنفسنا؟ ما الذي يشجعنا على هذا الشيء غير العقلاني؟ ما السبب الحقيقي؟ ما المشكلات الصحية التي تسببها هذه الحالة المزمنة؟ ما الوصفة السحرية للتعامل مع المماطلة؟

التعامل مع المماطلة
هل سبق لك أن أجلت شيئًا كنت بحاجة إلى فعله؟ على سبيل المثال، لفت هذا المقال انتباهك، لكن هل أرسلت لنفسك رسالة بالبريد الإلكتروني تقول فيها “سأقرأه لاحقًا”؟ أم أنك تقرأ هذا المقال عندما يكون لديك شيء آخر لتفعله؟ تسمى هذه المواقف باللاتينية proscrastinare (المماطلة باللغة الإنجليزية) وتعني ترك الأمر للغد، كلمة أخرى مرتبطة بهذا الموضوع هي “أكراسيا” في اليونانية القديمة، وتعني فعل شيء مخالف للمنطق.

الجميع يؤجل شيئًا يحتاج إلى فعله في حياته، وعلى الرغم من أن فعل ذلك باستمرار يمكن أن يكون تجربة مرهقة، فإنه لا يعد مشكلة صحية عقلية كبيرة، لكن إذا أصبح التأجيل المستمر لما يجب فعله نمطًا سلوكيًّا، فإنه سيؤثر سلبًا في حياة الإنسان اليومية، وعندما تصبح المسألة حالة تتطلب التدخل السريري، “يؤجل الشخص عمدًا السلوك المقصود رغم علمه أن النتيجة ستكون سلبية”، وهذا يعني ترك العمل حتى اللحظة الأخيرة لإنجازه أو عدم إكماله على الإطلاق.

تظهر هذه المشكلة السلوكية لدى واحد من كل 5 أشخاص في المجتمع وواحد من كل طالبين، لا تؤثر المماطلة سلبًا في أداء الشخص فحسب، بل تمهد الطريق أيضًا لمشكلات الصحة العقلية، والنقطة الحاسمة في التغلب على المشكلة هي أن يصبح الشخص على دراية بالأسباب الكامنة وراء المماطلة.

لماذا نؤجل؟
المماطلة هي إيذاء النفس نتيجة فشل المرء في تنظيم نفسه، عند تقييمها من جهة السمات الشخصية، فإنها ترتبط بمستوى منخفض من «الحذر»، والذي غالبًا ما يُرى ضمن تعريف «المسؤولية» في اللغة اليومية.

وبما أن الشخص الذي يماطل يعلم أنه سوف يؤدي المهمة التي أجَّلها، فإنه يشعر بالضيق في أثناء عملية المماطلة ويشعر أيضًا بعدم الارتياح لأنه سوف يؤدي المهمة التي أجَّلها لاحقًا على عجل وبجودة أقل، ومن غير المنطقي الاستمرار في هذا السلوك مع العلم أنه ستكون له عواقب سلبية، والسبب في الحفاظ على ذلك هو صعوبة إدارة المشاعر السلبية مثل الملل والقلق وانعدام الأمن والشك في الذات والحزن، وهي أساس العمل الذي يجب فعله.

المزاج السلبي يكمن وراء سلوك المماطلة، سلوك المماطلة ليس عدم القدرة على إدارة الوقت، كما يُعتقد في كثير من الأحيان، ولكنه مشكلة إدارة عاطفية.. إنها طريقة لتجنب المشاعر السلبية على المدى القصير، والسبب في ذلك هو أنه لا يثق بنفسه في العمل الذي يجب فعله أو أنه صعب لأنه يتجاوز حدوده، وعلى هذا فإن تأجيل المهمة إلى وقت لاحق والانتقال إلى موضوع أسهل أو أكثر متعة بالنسبة للشخص له تأثير مريح.

ما لا شك فيه أنه مع استمرار وجود المهمة، فإنها تسبب زيادة التوتر والقلق ولوم الذات وانخفاض احترام الذات، ومع ذلك، فإن الشعور بالارتياح من أن تأجيل العمل مدة قصيرة يصبح بمثابة مكافأة للمماطلة، وبمرور الوقت، لا يُظهر أولئك الذين يعانون سلوك المماطلة المزمنة انخفاض الإنتاجية فحسب، بل يظهرون أيضًا مشكلات في الصحة العقلية، بما في ذلك الإجهاد المزمن، وانخفاض الرضا عن الحياة، وأعراض الاكتئاب والقلق، إضافة إلى أعراض الصحة البدنية مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية.

ما علاقة المماطلة بالتطور؟
جانب آخر مثير للاهتمام في هذا الموضوع هو أن سلوك المماطلة له علاقة بماضينا التطوري، وذلك لأن إعدادات الطبيعة البشرية تعطي الأولوية للاحتياجات قصيرة المدى على الاحتياجات طويلة المدى.

إن نهج «هنا والآن»، الذي يستخدمه بعض علماء النفس على نطاق واسع اليوم، صالح أيضًا لهذه القضية، ومن هذا النهج، يعد الشخص -نفسه المستقبلية- غريبًا ويرى أن الوظيفة المؤلمة هي وظيفة شخص آخر؛ لأنه في هذا الوقت يُنظر إلى المهمة التي تواجه الشخص على أنها تهديد في مركز الخطر في الدماغ.

تأجيل المتعة.. وليس العمل

الالتفات عن الأهداف طويلة المدى، لا تتسبب هذه الميزة في تأخير العمل فحسب، بل يمكن أن تسبب أيضًا ضررًا أكبر، على سبيل المثال، بالنسبة للشباب، تأخير موعد الواجبات المنزلية يؤدي إلى الرسوب في الامتحانات والتخرج في وقت متأخر أو عدم القدرة على إكمال التعليم.

وهذا السلوك، الذي يعد غير عقلاني بالنسبة لكثيرين من جهة عواقبه، لا يتعلق في المقام الأول بالكفاءة، بل يتعلق بالعاطفة، إذ يبحث العقل البشري باستمرار عن المكافآت التي تمنحه المتعة، ولهذا السبب، ما لم نعثر على مكافأة لكسر دائرة المماطلة هذه، فإنه يستمر في تكرار السلوك نفسه، لذلك، من الضروري إيجاد مكافأة أكبر وأفضل لمنع سلوك المماطلة، ولكن بما أنه توجد أسباب كثيرة تؤدي إلى المماطلة، فإن الحل يجب أن يكون داخليًّا، يعتمد على الشخص نفسه، وليس خارجيًّا.

أساليب المواجهة
اليقظة الذهنية: كما هو الحال مع جميع الأساليب التي انتشرت مؤخرًا ويُعتقد أنها جديدة، يزعم خبراء اليقظة الذهنية أن “التسامح مع الذات” و”إظهار التعاطف مع الذات” يزيد الإنتاجية، وهو ما يُزعم أنه علاج سحري.

ويمكن تلخيص مقترحات الخبراء ذوي الفهم المختلف للوعي، مع التركيز على العمليات المعرفية وأساليب تغيير السلوك، في ما يلي:

تشجيع الفضول
قد يكون من المفيد للشخص الذي يلاحِظ ميلًا للمماطلة أن يركز على الأحاسيس الموجودة في جسده وعقله، ما المشاعر التي تغريك؟ أين تشعر بهذه الأشياء في جسدك؟ ماذا يعني هذا؟ ما شعورك بعد فكرة المماطلة؟ ما المشاعر التي تنشأ؟ التركيز على هذه الأسئلة يمكن أن يساعد في فهم أسباب المماطلة والسيطرة على السلوك.

التفكير في الإجراء التالي
يتضمن ذلك النهج التقليدي المتمثل في تقسيم السلوك الذي تجنبه إلى أجزاء، الإجراء التالي يهدئ الأعصاب ويساعد على التغلب على العائق الذي يقف بين المهمة والشخص، إن إدراك القلق الذي قد يسببه تأجيل المهمة يؤدي إلى اتخاذ خطوة بسيطة، إن اتخاذ خطوة سهلة مثل مجرد كتابة عنوان المهمة يمكن أن يخلق الحماس للخطوة التالية، لأن الدافع غالبًا ما يتعزز من خلال اتخاذ الإجراءات والبدء.

جعل الإغراءات بعيدة المنال أو صعبة
إن تغيير الظروف الخارجية أسهل من تغيير أنفسنا، وعلى الرغم من أن ذلك قد يخلق قدرًا معينًا من القلق والانزعاج، فإن وضع الحواجز بيننا والإغراءات يمكن أن يقدم حلًّا، على سبيل المثال، قد يشعر الشخص الذي يلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي بقلق شديد عند إلغاء تثبيت التطبيقات ذات الصلة من هاتفه أو إنشاء كلمة مرور مكونة من 12 رقمًا لا يمكنه تذكرها بسهولة.

وهو بذلك يضع عقبة في طريق المماطلة ويجعل من الصعب مكافأة المماطلة، فإذا كان الشخص الذي يجد صعوبة في الاستيقاظ مبكرًا ويريد ممارسة الرياضة في الصباح يذهب إلى الفراش ليلًا مرتديًا ملابس رياضية، فسيكون من الأسهل عليه ممارسة السلوك الذي ينوي فعله.

إعداد «قائمة المهام التي لا ينبغي فعلها»
لدى عدد من الأشخاص «قائمة مهام» يومية أو أسبوعية، العناصر المكتوبة في هذه القائمة لها مستويات مختلفة من الأهمية، ومعظم العناصر التي شُطبت هي تلك ذات الأهمية الأقل، لذلك، فهي لا تمنع سلوك المماطلة، بدلًا من ذلك، فإن إنشاء قائمة المهام يوضح ما هو مهم حقًّا وما كنا نؤجله، وبالتالي، يمكن أن يسمح بالتركيز على القضايا ذات الأهمية العالية للطاقة.

مشكلة المماطلة
المماطلة هي مشكلة وجودية عميقة الجذور، إنها تتطلب التساؤل والتعمق في ما ننوي قضاء وقتنا في فعله وما نقضي وقتنا في فعله، لدى الناس ضعف في تجنب الأنشطة التي تسبب لهم الضيق والتوجه نحو تلك التي تمنحهم المتعة، ونحن نريد أن نكون سعداء نتيجة للاختيارات التي نتخذها.

أولئك الذين لا يستطيعون تأجيل دوافعهم يكونون سعداء على المدى القصير، وأولئك الذين يستطيعون تأجيلها يكونون سعداء على المدى الطويل بتحقيق أهدافهم الأكبر، وفي النهاية، يحصل الجميع على ما يستحقونه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى