أبرز الأخبار

لودريان أنهى حظوظ قائد الجيش… العودة إلى التعيين

مع انكشاف الدور الفرنسي في لبنان أكثر بعد الحرب على غزة، أصبح من واجب “حزب الله” وحلفائه، وأقلّه، من يسمون أنفسهم “وطنيين” حقيقيين في لبنان، أن يتخذوا مسافةً واضحة من سياسة باريس، وأن يحددوا موقفهم منها، وأن يتوقفوا عن تسليفها الإمتيازات، وأن يحسموا خياراتهم في عدم السماح بأن يكون لها أي تأثير في منطقة تعتقد أنها مقرّ نفوذ تاريخي لها! ببساطة لأنها لا تعمل من أجل مصالحهم بل لا تراها، وأحياناً لا تعمل من أجل مصلحتها بل في سبيل ضمان مصلحة “إسرائيل”.

هذا ما أثبتته التجارب، القديمة والحديثة، وليس آخرها الزيارات الدبلوماسية وما أُعيد تأكيده في أعقاب زيارة الموفد الرئاسي جان إيف لودريان إلى بيروت أخيراً.

عملياً، جسّدت الزيارة الأخيرة نوايا باريس الإستعمارية. جاء موفدها إلى لبنان في محاولة منه لفرض شخصيات في موقع المسؤولية، وليتدخل في الشؤون اللبنانية وفي الوظائف، وليمارس ضغطاً على جهات معينة لتغيير وجهة نظرها من ملفات أساسية كموضوع قيادة الجيش، وأتى حاملاً لمجموعة جديدة من التهديدات “الناعمة” المتعلقة بدور “حزب الله” جنوباً.

في الواقع، تسود داخل غرف الحزب السياسية عبارات تتعلق بالتعامل مع القرار الأممي 1701 وبأنه أصبح من الماضي. وبعد 7 تشرين الأول تغيرت الأولويات وتبدلت الظروف. إذاً الحزب يستبق مرةً أي خطوة لتعديل القرار من خلفية انه بات يرفضه وبالتالي لا التزامات من جانبه وأنه غير مستعد لتقديم “ضمانات”، ومرةً أخرى من زاوية أنه استنسب اللحظة الراهنة ليعلن عن رفضه، مستغلاً استخدام القرار ضده من قبل مجموعة قوى دولية كبرى، باتت ترى أن التعايش بين الحزب و 1701 سقط أو لم يعد مقبولاً، وبالتالي يكون الحزب وصل إلى نفس الخلاصة.

هذا الدور أو تلك الخلفية، كان الفرنسيون أول من جاهر بها. أتى مندوبهم إلى بيروت جان إيف لودريان، ليفحص مدى إمكانية أن تبادر الدولة اللبنانية إلى الضغط على الحزب من أجل الإلتزام بتنفيذ القرار وفق الصيغة المُقرّة عام 2006. وفي اعتقاد هذا البعض أن “دورة” الضغط هذه، تُعتبر الجولة الاخيرة قبل ذهاب “الجميع” إلى مناقشة إدخال تعديلات “بالممارسة” على القرار ولو من جانبٍ واحد حينما يعود زمن مناقشة التجديد لليونيفيل الصيف المقبل.

وخلال لقاءاته مع مجموعة من النواب (وهو ما تسرّب لاحقاً)، أبدى لودريان رغبته بانسحاب الحزب من مناطق معينة “يُسيطر” عليها في جنوب الليطاني، وأن تملأ “اليونيفيل” بالتعاون مع الجيش اللبناني الفراغ وأن يكون لهذا الجيش حضوراً أوسع.

وفي أعقاب ذلك، كان في الداخل من وصل إلى قناعةٍ مفادها أن هذا التوجه نابعٌ من خلق ظروفٍ آمنة عند الحدود، بحيث يعود المستوطنون إلى مستعمراتهم الشمالية فيما اللبنانيون يعودون إلى قراهم. وبهدف إتمام خطة كتلك، يريد الفرنسيون تأمين “ضمانات” بالتنسيق مع الأميركيين والإسرائيليين على صعيد القوى العسكرية الشرعية تحديداً، كي تكون موجودة بفاعلية عند الحدود. وتزامن هذا التوجه مع بدء ظهور كلام سياسي يخدم وجهة النظر تلك، وقفت خلفه قوى منخرطة أساساً في نزاع تاريخي مع المقاومة كفكرة.

إذاً يريد الفرنسيون تكريس دور الجيش اللبناني. لذلك اندفعوا إلى محاولة العمل على تأمين سلسلة إجراءات. من بينها ما يُسمّى تأمين استقرارٍ على مستوى قيادة الجيش، من خلال دعم الإبقاء على الثقة في القيادة الحالية وإستمراريتها، عبر التمديد لقائد الجيش جوزاف عون. لذلك، قال لودريان علناً أمام نواب من بينهم “نواب تغييريين”، بأنه يفضّل بقاء عون على رأس القيادة العسكرية، لا بل طلب منهم (ومن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي) بلهجةٍ لم تخلُ من التحذير، دعم وتغطية التمديد لقائد الجيش، وأن بعضهم يجب عليه تغيير نظرته، باتجاه القبول بالتمديد عبر قانون يصدر عن مجلس النواب.

لودريان العالم بخبايا الأمور في لبنان، مارس نفس الفعل بطرق متعددة مع من التقاهم. إذ كان ينحو في كثيرٍ من الأحيان إلى محاولة فرض جوزف عون قائداً للجيش من خلال إبداء الرغبة أمام من كان يلتقي بهم بضرورة السير فيه تحديداً، وهو ما أزعجَ كثراً التقوا به لكنهم فضّلوا الصمت والتحدث داخل الصالونات.

وكان لودريان يقدم مبررات عديدة من زاوية استمرار برامج دعم إسناد الجيش والإستقرار في القيادة والحفاظ وتصوير الخطوة على أنّها شكل من أشكال المحافظة في مصلحة فرنسا الإستراتيجيّة الأمنيّة. وهو ما دفع قوىً أساسية الى التوجّس من دعوات لودريان، والتساؤل عن سر الإهتمام المفرط بقائد الجيش إلى هذا الحد، أسبابه وخلفياته، المتزامن مع استشراس مماثل من فريق القائد نفسه الذي لا يريد لهذا الأخير مغادرة مكتبه من اليرزة الآن، وبات كل يوم ينزل علينا بنظرية لتبرير بقائه وشرعية أي خيار قد يُتخذ في مرحلة ما.

في الموضوع كله ثمة استغراب لأن يتحول مرشح رئاسة الجمهورية إلى وضعية “الإستشراس” في طرح نفسه مرشحاً للتمديد في قيادة الجيش عنوةً، والإصرار وصولاً للإستعانة ببعض الداخل والخارج. ولا بدّ لهذا الأسلوب أن يضعه في صورة ضعفٍ لن تخدمه في الطريق نحو بعبدا.

في جانبٍ آخر، من يعتقد أن زيارة لودريان صبّت في مصلحة قائد الجيش مخطىء. لقد صبّت على مصلحته وليس في مصلحته. “حزب الله” مثلاً الذي كان يتهيّب اللحظة ويقول إنه مع أي خيار يتيح تجاوز الشغور في قيادة الجيش، بات يقول اليوم أنه مع قائد “مضمون”. وفي ذروة سريان المعركة، لا يقدر الحزب تقديم جوائز مجانية أو جوائز على حسابه.

الآن ما هو الحل؟ على جدول القوى، أمران لا ثالث لهما: إمّا تعيين على مبدأ السلة يشمل قائد الجيش + رئيس الأركان + أعضاء المجلس العسكري، أو أقلّه رئيس الأركان بناءً على تفاهمات مسبقة ما يعني عودة فكرة التعيين للتداول، أو تسليم الضابط الأعلى رتبة القيادة بموجب تكليف صادر عن المجلس العسكري بناءً على مطالعة وزير الدفاع.

نقلاً عن “ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى